تقارير وتحقيقات

الصراع في مدينة سلمية – نموذج لتشكّل “المافيات” في سوريا

ملخصٌ تنفيذيٌّ
يتناول هذا التقرير الوضعَ الراهن لمدينة سلمية، ذات الأغلبية الإسماعيليّة( )، بعد أربع سنوات ونصف من الأزمة التي تعصف بالبلاد، في محاولةٍ لفهم التغيّرات التي أصابتها، والصراعات التي تعتمل فيها، والأخطار التي تحيق بها. وتركّز الورقة على المجتمع المنهك، وعلى ما تبقى من سلمٍ أهليٍّ داخل مجتمعٍ مهدّدٍ بالانفجار، والعلاقة بينه وبين محيطه معتمدةً على ما سبق أن قدّمه مركز دراسات الجمهوريّة الديمقراطيّة من إضاءاتٍ على جوانبَ من أثر الصراع في سوريا على المجتمع. كما تطرح هذه الورقة تساؤلاتٍ، في الإجابة عنها إضاءةٌ على جوانبَ جديدة؛ تبعاً لخصوصية المنطقة المدروسة جغرافياً وديمغرافياً وطائفياً.
تقع مدينة سلمية في وسط سوريا، وهي بالكامل، مع أغلب ريفها، تحت سيطرة قوات النظام والقوات شبه النظامية الموالية له. ولا تزال الجبهة هادئةً فيها –بشكلٍ عامٍّ، ولاسيّما خلال السنتين الماضيتين– على الرغم من قرب قوات المعارضة منها، متمثلةً في كتائب من الجيش الحرِّ سابقاً، ثم لاحقاً أحرار الشام وجبهة النصرة. والأخيرة باتت تشكّل القوة الوحيدة التي تحاذيها من جهة الغرب بشكلٍ أساسيٍّ، بينما يسيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” على عدّة قرى منها، ويقترب منها في بعض النقاط بمسافة لا تزيد على 10كم.
وقد برزت في المدينة منذ بداية الأحداث السوريّة ظاهرتان ترسمان معالمَ أساسيّةً في أزماتها: الأولى: الأعداد الكبيرة، والمبكرة، للمتظاهرين ضدَّ النظام، ممّا شكّل حجةً ضد النظام باعتبار أن هناك أقليّةً تثور ضده، ومن ثمَّ تهشّمَ ادّعاؤه بأنه “حامٍ للأقليات”.
والثانية: هي التي تكرّست بشكلٍ متزايدٍ مع انحسار الأولى، متمثلةً بأعمال الخطف والاعتداء على الأهالي، وممارسة فئة الموالاة المسلحة (العناصر المتحكّمة بـ “الدفاع الوطني”، وشبكة مرتبطة بهم) أنواعاً من اقتصاد الحرب بشكلٍ علنيٍّ
ويلاحظ بأن الظاهرة الثانية تحوّلت إلى أزمة، حيث شهدت المدينة -على سبيل المثال- من واحدة إلى ثلاث حالاتِ خطفٍ واعتداءٍ أسبوعياً على مدار عدة شهور؛ لذلك تُركّز ورقتنا على البحث في تطوّر هذه الشبكة “المافيويّة” خلال السنتين الماضيتين، وتركّز على التأزم الناتج عنها والذي ظهر بشكلٍ صريحٍ خلال الأشهر القليلة الماضية.
تأتي هذه الورقة في وقتٍ متزامنٍ مع أحداثٍ شبيهةٍ، حيث تظاهر علويّون في مدينة اللاذقية ليطالبوا بإعدام سليمان الأسد( )، ابن العائلة الحاكمة، وأحد زعماء “المافيات” المدافعة عن النظام السوريِّ، ليتمَّ الالتفاف عليهم لاحقاً ويطلق سراحه. مع كلِّ ما تحمل هذه المظاهرة، في هذا الوقت، من دلالاتٍ( )، وما يحمل الالتفاف عليها من مؤشراتٍ لوضع النظام الراهن، ولعلاقته بـ”المافيات” التي تساهم في حمايته، وعلاقته بمن يُعتبر على نطاقٍ واسعٍ “أكثر جمهوره تمسّكاً به”. يضيف وضع مدينة سلمية، بما يمتاز به من اختلافاتٍ عن مدينة اللاذقية، زوايا جديدةً تساهم في فهم علاقة النظام المركّبة مع من يدعي حمايتهم من “أقلياتٍ”، والإستراتيجيات المرتبطة به، وردّة فعل شرائح المجتمع على أحداثٍ وسلوكياتٍ تصدر عن شبكةٍ من المسلحين المنتمين لقوات الدفاع الوطنيِّ، وإستراتيجيّة هذه الأخيرة التي خلصنا إلى أنها قطعت شوطاً كبيراً في عملية التحوّل إلى “مافيات”.
وجدنا أن “الأزمة” اليوم وصلت إلى نقطةٍ حرجةٍ؛ ما يعني أن المدينة أمام منحى قد يكون خطيراً لن تجد سواه أمامها، ما لم يحدث تغيّرٌ جذريٌّ في أسس الصراع السوريِّ عموماً. مع هذا بذلنا جهدنا في محاولة استشراف المستقبل القريب والاحتمالات التي ينطوي عليها.
تكمن النقطة الحرجة في أن الأزمة وصلت حدّاً غير مسبوقٍ من التحدّي الصريح بين من أطلقنا عليهم “المافيات” وبين الأهالي؛ فـ”المافيا” تمارس هيمنة استنزاف يؤدي إلى تزايد الهجرة بين الأهالي (مع أسبابٍ أخرى طبعاً)، وإلى فقدان الأمن، وبيع العقارات، وتعطيل مشاريعَ تنمويّةٍ، وغير ذلك. وهو ما يعني أن أهالي مدينة السلمية يدفعون ثمن الحرب السوريّة على يد “المافيا”، في حين كانوا قلقين من دفع الثمن على يد المتطرفين الإسلاميين.
وفي هذا الوقت يجد “المجتمع السلمونيُّ” نفسه مكبلاً، إن لم نقل عاجزاً، عن وضع حدٍّ “للمافيا”. وفي كلِّ انتهاكٍ جديدٍ من قبلها تزداد هيمنة “المافيا” على حساب تراجع “هيبة” المجتمع بتمثيلاته المختلفة. أما “الدولة” فيستمرُّ فشلها في احتواء من تصفهم “بالخارجين على القانون”، رغم الوعود التي تطلقها؛ لذا يزداد المؤيدون والصامتون قناعة بأنها غير قادرةٍ على مجابهة طبقة “المافيا” أو لا تريد ذلك.
للإطلاع والتنزيل أدناه: